03 - تقرير وتوصيف للمباني المعتمدة عند العرفاء في كشف الواقع

موقع | almanteqy.com

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الأقسام

03 - تقرير وتوصيف للمباني المعتمدة عند العرفاء في كشف الواقع

الشيخ أيمن المصري 30/05/2018 1862

بحثنا في اللية حول نقض المسلك المعرفي العرفاني الذي اعتمده المرحوم الملا صدرا كركن ركين من فلسفته المتعالية ولكن طبعا كما تعلمون النقض يستلزم حسن التقرير لذلك سنفرغ ونخصص هذه اللية لتقرير مباني العرفاء في كشف الواقع مبانيهم التي يعتمدون عليها والتي ستكون بعد ذلك موضوعا للنقض في الجلسة القادمة إن شاء الله، فإذا هذه الجلسة لن تكون جلسة نقضية بل جلسة توصيفية تقريرية لتشعب مطالبهم وكلماتهم، نحن سنتعرض إلى خمسة محاور كلية ونقرنها بعد ذلك بالنصوص التي جاءت في كتبهم ورسائلهم المختلفة .

 

المحور الأول: ما هو منهجهم المعرفي ؟

 

الثاني: ماهي نظرتهم إلى المنهج العقلي البرهاني ؟

 

الثالث: كيفية استفادتهم من المنهج العقلي في إثبات مطالبهم العلمية في العرفان النظري .

 

الرابع: أنواع المكاشفات المستفادة من منهجهم العرفاني .

 

المحور الخامس والأخير: موازينهم المعرفية لتصحيح مكاشفاتهم المعرفية .

 

1- بالنسبة للمنهج المعرفي عند العرفاء والصوفية هو : القلب هم يعتمدون على القلب كأداة معرفية يصرحون بذلك والمقصود من القلب كما سبق وأن قلنا هو معناه اللغوي يعني لب الإنسان جوهر الإنسان، يعني نفس النفس الناطقة الإنسانية المجردة عن المادة في ذاتها مجردة عن كل قوى من قواها العقلية والحسية والوهمية والشهوية والغضبية نفس اللب عندهم يسمى القلب بمعناه اللغوي يعتبرون هذا هو له حالة مرآتية كالمرآة إذا تم تجريد القلب عن كل العلائق المادية ستنكشف فيه الحقيقة كما هي بلا أي إضافة أو تلوين، والطريق لتجريده عن هذه العلائق المادية هو عن طريق المجاهدات النفسية المبسوطة في كتبهم، السلوك الصوفي العرفاني التجريدي من الإنقطاع والتبتل والتهجد والزهد والورع والتقوى إلى آخره من المجاهدات التفصيلية في كتبهم العملية في التصوف العملي موجود السلوك، الرياضة.

فإذاً بترويض النفس تنجلي مرآة النفس فتنكشف أو تشرق فيها الحقائق كما هي ونحن بينا هذا بالتفصيل في المباحث المعرفية فلن نعيده، سنقول فقط إشارات بناء على إطلاعكم على هذا الكلام قبل ذلك، هذا هو منهجهم يرون أن هذا هو المنهج الصحيح والأقصر والأوضح والأصفى والأنقى إلخ..

 

2- ما هي نظرتهم إلى المنهج المعرفي (المنهج العقلي المعرفي) ؟

هم يرون أن العقل قاصر، العقل البرهاني قاصر عن الوصول إلى الحقيقة لا يفيد اليقين قد يفيد الظن أو لا يفيد -بحث آخر- ولكن لا يفيد اليقين، العقل البرهاني الذي يعتمد عليه الفلاسفة ومن سار على سبيلهم لا يوجب اليقين لا يوجب إلا الظن أو حتى لا يوجب الظن، غير محرز لليقين ليس طريق للمعرفة اليقينية أو حتى المعرفة الحقيقية ولكن معرفة ظلية، معرفة سطحية، معرفة قشرية، معرفة ظلمانية سميها ما شئت وإن كانت صحيحة فستكون معرفة سطحية، قشرية، شبحية الخ...

 

3- كيف يعتمدون على المنهج العقلي البرهاني ؟

يعتمدوا عليه في مقام الإثبات الجدلي لمن يعتقد به وهذه هي فلسفة العرفان النظري (العرفان النظري ليس هدفه كشف الحق) إثبات الحق للغير بما يعتقدون، بما يستأنسون، واضح عندهم مصباح الأنس يعنى حتى يجعلك تأنس بهذه المبادئ (النظريات) العرفانية بما أنت تأنس به وهو (البرهان) صغرى وكبرى وأدلة عقلية برهانية لإقناع الغير وإلزامه بحقانية إعتقاداتهم لا أنهم يقيمونه لأنفسهم إنما لغيرهم يعنى (الجدل)، فالعرفان النظري منهجه يمكن يعتمدون على البرهان لكنهم هم يرون هذا الإستعمال لغيرهم فيكون جدلي يعني على مسلمات الخصم (الطرف الآخر) المسلمات يصير جدلي، على مسلماتهم ومشهوراتهم هذا هو كيفية استعمالهم للمنهج العقلي .

 

4- المكاشفات عندهم الحاصلة من السلوك على يد الشيخ الذي هو ليس مجرد إلا علة معدة للإشراق وتصفية المرآة أولا، توجيه مرآة القلب، قلب السالك المريد إلى جهة الإشراق ثانيا، هذا هو دوره الخاص سواء بالأوراد والأعمال أو الأدعية أو التوجيهات والإرشادات أو عن طريق الولاية التكوينية التي يلجأ إليها شيخ الحقيقة في نهاية الأمر حتى يكشف الحجاب عن قلب المريد، هذه المكاشفات على نحويين مكاشفات صورية، ومكاشفات معنوية:

 

المكاشفات الصورية : مثل المنامات السابقة سواء تراه في المنام أو اليقظة أو بين اليقظة والمنام لا يوجد فرق هذه صور ترى صور ربما للأنبياء، الحور، الجنة، النار، الشياطين أي شئ ويتحدثون معك وتحدثهم هذه مكاشفات صورية برزخية مثالية

 

المكاشفات المعنوية : وهي الإلهام القلبي، يلهم معاني كلية عقلية وهذه تفاض على قلبك بحيث بعد ذلك تفهم منها شئ أو أشياء متعددة عن الحقائق، معرفة حصولية هي معقولات ومعاني كلية تفاض علي القلب.

 

القسم الثالث هي المشاهدة العينية بالعلم الحضوري يعنى الإتحاد مع الحقائق الخارجية هم يسموه بالعلم الحضوري بالأشياء الخارجية يتحد وجودك مع وجوده بالعلم الحضوري بالغير وهذا يرونه عين اليقين المشاهدة بالعين، علم اليقين عندهم هو العلم البرهاني عين اليقين مشاهدة صور أو أشياء أو حتى المعنويات وحق اليقين هو أن تتحد مع هذه الأشياء وتفنى فيها إلخ.. بالتفصيل الذي يريدونه.

 

5- ماهي الموازين التي يعتمدونها في تصحيح هذه المكاشفات ؟

هم إختلفوا فيها وسنوضح ذلك بالنصوص التي سنوردها بعد ذلك، موازينهم ما هي؟ يعني كيف يميزون المكاشفة الصحيحة من الخاطئة هم يسلمون ويعترفون بأجمعهم أن المكاشفات ليست كلها صحيحة (مكاشفات رحمانية، مكاشفات شيطانية) هم يقرون بذلك فكان من الضرورة أن يميز ويضع له موازين، توجد إختلافات كثيرة بينهم، طبعا الشيخ الأكبر محيى الدين هو لا يرى نفسه معني بخانة الميزان فالميزان عنده للمحجوب أما الذي يشاهد ويرى فهو تحصيل حاصل، أنا لا أطلب ميزان أنت موجود لأني آراك فلأني أنا أشاهد وأرى فلا حاجة إلى ميزان (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ) واضح فالبتالي هو يرى نفسه فوق الميزان هذا رأيه.

 

رأي الآخرين أنه يوجد موازين أخرى بعضهم يجعله ميزان وجداني خاص بهم عن طريق تجليات الأسماء والصفات وغيرها ميزان خاص مبهم جدا ومقامات ومراتب الأسماء والظهورات وغيرها وكل أسم له مطابق إلى آخره يعنى ميزان عرفاني خاص بهم جدا لا يمكن ترجمته بلسان المنطق الأرسطي الذي نفهمه.

 

 الأخر يرى ميزانه هو الشيخ، يقص على الشيخ ما رآه والشيخ يقول له إذا كانت رؤياه رحمانية أو شيطانية يعنى مقبولات الشيخ ما يقوله يقبله ثقة به لأنه خبير، البعض لا كابن تركه وغيره يقول : يمكن الإعتماد على البرهان إذا كان شئ نستطيع أن نقيم عليه البرهان فهذا البرهان أيضا كميزان منطقي يمكن أن توزن به المكاشفات العرفانية بعضها طبعا لا كلها، يَعتبر الميزان البرهان العقلي كميزان في بعض الموارد ولكن هو يقول عند فقدان الشيخ فإذا وجد الشيخ (إذا وجد الماء بطل التيمم) البرهان (تيمم) اذا لا يوجد شيخ يمكن ان تطبق مكاشفاتك على البرهان العقلي، هذه خلاصة المحاور التي أشرنا إليها الآن نطبق على ما هم أفاضوا به من كتبهم المعتبره .

 

أولاً: مسألة رفضهم للعقل واعتمادهم على القلب .

قال محيى الدين في الفتوحات المكية الجزء الأول ص 218: (قد تبين لك أن العلم الصحيح لا يعطيه الفكر ولا ما قررته العقلاء من حيث أفكارهم وأن العلم الصحيح إنما هو ما يقذفه الله في قلب العالم وهو نور إلهي يختص به الله من يشاء من عباده من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن ومن لا كشف له لا علم له) تلاحظوا أن هذه العبارة أخذها منه المرحوم الملا صدرا أذكركم بها عندما قال في مقدمة الأسفار ج1: (و ليعلم أن معرفة الله تعالى و علم المعاد و علم طريق الآخرة ليس المراد بها الاعتقاد الذي تلقاه العامي أو الفقيه وراثة و تلقفا فإن المشغوف بالتقليد و المجمود على الصورة لم ينفتح له طريق الحقائق كما ينفتح للكرام الإلهيين ولا يتمثل له ما ينكشف للعارفين المستصغرين لعالم الصورة و اللذات المحسوسة من معرفة خلاق الخلائق و حقيقة الحقائق و لا ما هو طريق تحرير الكلام و المجادلة في تحسين المرام كما هو عادة المتكلم) حذف كل المناهج الإخبارية والكلامية والفلسفية والفقهية واعتمد فقط على الكشف ثم يقول (و ليس أيضا هو مجرد البحث البحت كما هو دأب أهل النظر –الفلاسفة- و غاية أصحاب المباحثة و الفكر فإن جميعها ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُور) نفس كلام محيى الدين (بل ذلك نوع يقين هو ثمرة نور يقذف في قلب المؤمن بسبب اتصاله بعالم القدس و الطهارة) إذاً يقول العلم الصحيح لا يعطيه الفكر إنما الكشف.

 

وقال تلميذه صدر الدين القونوي في اعجاز البيان ص 15: (اعلموا أيها الأخوان رحمكم الله إن إقامة الأدلة النظرية على المطلب (المطالب) وإثباتها بالحجج العقلية على وجه سالم من الشكوك الفكرية والإعتراضات الجدلية متعذر)، إقامة الأدلة العقلية على الأفكار بنحو خال من الشكوك متعذر.

 

وقال الفناري في مصباح الأنس ص 10: (معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه في علم الله تعالى بالأدلة النظرية متعذر من وجوه مستبطنه من كلام الشيخ)، هذه الأدلة التي أشار إليها القونوي وسنقرأ منها بعضها .

 

قال القونوي في الرسالة المفصحة ص183: هو يتكلم بنفس حجج بروتاغوراس وجورجياس في السفسطة في إبطال المنهج العقلي والقول بالنسبية والتعددية، قال : (إن الأحكام العقلية تختلف بحسب تفاوت مدارك أربابها والمدارك تابعة لتوجهات المدركين والتوجهات تابعة للمقاصد التابعة لإختلاف العقائد والأمزجة -يعني هو يتعامل مع البرهانيات هنا كالمقبولات والمشهورات والإستحسانات الشخصية التابعة مثال هذا سني استدلالاته مدفوعة بتوجهاته العقائدية، هذا شيعي، هذا مسيحي وهكذا المتأثرين يعنى لا يوجد استدلال موضوعي لأنها تابعة للمدارك والمدارك لها مدخلية في الأحكام العقلية ليست مجردة أو موضوعية هي دائما نفسية متأثره بالنفس- فيتعذر إذا وجدان اليقين وحصول الجزم التام بنتائج الأفكار والأدلة النظرية).

 

وقال أيضا القونوي نقلها ابن فنار عنه في مصباح الأنس ص36 : (لما اتضح لأهل البصائر أن لتحصيل المعرفة الصحيحة طريقين طريق البرهان بالنظر وطريق العيان بالكشف وحال المرتبة النظرية قد استبان أنها لا تصفو عن الخلل فتعين الطريق الآخر وهو التوجه إلى الله تعالى بالتعرية الكاملة والإلتجاء التام)

 

وأخيرا قال القيصري في مقدمة شرح الفصوص الجزء الأول ص 282 : (إنما كان صاحب النظر الفكري غير معتبر عند أهل الله لأن المفكرة جسمانية يتصرف فيها الوهم تارة والعقل أخرى فهي محل ولايتهما)، والوهم منازع العقل فبالتالي لن يصفوا لأنه دائما مخلوط بالأحكام، الأول مخلوط بالإعتقادات السابقة والأمزجة وهنا مخلوط بالعقل والوهم، وبالتالي هم سدوا طريق الإستدلال العقلي أنه لا يفيد اليقين جزما ولذلك لجأوا إلى الكشف.

 

طبعا إثبات عجز العقل البرهاني هو مقدمة ضرورية لتبني غيره هكذا فعل الصوفية هنا وهكذا فعل الإخباريون كابن تيمية في نقض المنطق وغيره في نقضه للمنهج العقلي وهكذا فعل الحداثويون وعلى رأسهم كانط في نقضه للعقل النظري هو شئ طبيعي أنك لا تترك شئ إلا إذا رأيته عاجز، العقل عاجز، وبعد ذلك ما هو البديل يقع الإختلاف جهة تقول لك النص، تقول الكشف، ومن يقول التجربة، هذه بدائل طرحت للعقل ولكن جميعهم يقفون على أرضية واحدة في إثبات عجز العقل عن كشف الواقع خالصاً كما هو، هذا متفقين عليه.

 

هذه كانت مقدمة لازمة وبالتالي المسألة الأخرى عندما يأتي لإستخدام المنهج العقلي يستخدمه بدافع جدلي كما يفعل أيضا كل هؤلاء أمثال كانط وابن تيمية من مقام الجدل ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، لذلك عندما نجد أنهم يفرطوا في استعمال البراهين والأدلة العقلية في العرفان النظري هذه كلها استدلالات، ومصباح الأنس وفصوص الحكم ومفاتيح الغيب الموجودة، هذه كلها استدلالات من باب الجدل ليس من باب أن يجمع بينهما، لذلك طائفة العرفاء هم الصوفية لا فرق بينهم، البعض يتوهم أن بينهم فرق العرفاء هم الصوفية ولكن الفرق بينهم في الإستدلال لذلك نحن نسميهم متكلموا الصوفية، كما أن المتكلمون هم الإخباريون يؤمنون بأصالة النص، ولكن هم يعتقدون بجدوائية العقل في الإثبات والإقناع للغير فلذلك صاروا أهل علم أو كما يسميهم الملا صدرا محققوا الصوفية وهم فعلا كذلك درسوا منطق وفلسفة درسوا حوزة، بالنتيجة ليس أمثال قدماء الصوفية الحلاج والبسطامي وغيره هؤلاء كانوا حفاة لا يعرفوا القراءة والكتابة هو ليس معني بأن يقنعك أو يثبتلك أو يستدل، انما أمر عملي، ويرى أنه فوق الجبل يرى نفسه مستغني الذي يريده يذهب إليه فوق، لذلك لم يكتبوا أو يدونوا وانتقدوا العرفاء أنهم دونوا هذه المكاشفات وسعوا للإستدلال عليها كما أيضا انتقد الإخباريون المتكلمين إلى يومنا هذا.

 

فلذلك نروي أيضا عن بعض العرفاء بدأهم سيدهم وأولهم ومؤسسهم القونوي، محيى الدين نصف عارف لأنه لم يستدل هو نقل المكاشفات فقط كالرسالة العملية (الفتوى) نقل المكاشفات كانت جريمة عندهم شئ فيه غرابة هو أول من دون المكاشفات في الفتوحات والفصوص الشيخ الأكبر محيى الدين ولكنه لم يستدل، من الذي بدأ الإستدلال ودخل الحوزة صدر الدين هذا عالم لولاه لم يمكن محيي الدين، مكانته المفترض تكون فوق محيى الدين مثله مثل أبو يوسف لأبي حنيفة لأنه قام ودافع واستدل وأسس الحوزة في قونيا في تركيا وتخرج منها أمثال القيصري والكاشاني فحول العرفاء خرجت منها حوزة علمية عرفانية فهؤلاء هم من لهم الفضل في الإستدلال والمجادلة مع الفلاسفة .

 

قال القيصري (هذا تلميذ المرحوم القونوي) في مقدمة شرح تائية ابن الفارض ص111: (وما ذكرت من البرهان والدليل هنا في مقدمة شرح الفصوص وباقي المسائل التي كتبتها في هذه الطريقة إنما أتيت بها إلزاما لهم بطريقتهم -يعني الفلاسفة- وإفحاما لهم بشريعتهم) إلزاما، إفحاما يعني جدلا.

 

وقال ابن الفناري في مقدمة مصباح الأنس ص10 : (واجتهدت في تأسيس تلك القواعد الكشفية حسب الإمكان بما توافق عقل المحجوبين بالنظر والبرهان) يعتبر البرهان حجاب، بما توافق أي يخاطبهم على قدر عقولهم جدل وإقناع وخطابة أيضا.

 

وقال أبو حامد الأصفهاني (تركة) في كتاب قواعد التوحيد (كما نقله حفيده عنه ابن تركه) : (أردت أن أكتب رسالة أوضح فيها حقية مذهب العارفين وبطلان قول الطاغين من المنكرين ورأينا أن نقرر تلك المسألة على طريق الناظرين وأن نسلك مسلك المناظرة مع الطاغين).

 

هذا هو منهجهم الجدلي في العرفان، هذا ما كتب في مصباح الأنس أو كتب في مقدمة شرح الفصوص أو شرح تائية ابن الفارض وغيره هذا كله من باب الجدل أو ما كتبه الملا صدرا في الأسفار والإستدلال هو أكثر من دافع واستدل على مباني العرفاء لأنه كان فيلسوفا بالأصل، بينما الآخرين ليسوا بهذا القدرة القونوي وغيره متكلمين ابن تركه فيلسوف ولكن ليس من الدرجة الأولى مثل الملا صدرا من الطراز الأول، ذو ثقل كبير وخدم الصوفية، أكثر من روج التصوف والعرفان في الأمة الإسلامية لقوته العلمية، طبعا قبله شيخ الإشراق أيضا على الرغم أنه ليس من مستواه العلمي لكنه أيضا اراد أن يدفع عن هذا الأمر ويدافع عنه.

 

المطلب قبل الأخير بالنسبة لأنواع المكاشفات :

قال القيصري في مقدمة شرح النصوص أيضا الجزء الأول ص 87 : (اعلم أن الكشف لغة رفع الحجاب وإصطلاحا هو الإطلاع على ما وراء الحجب من المعاني الغيبية وجودا وشهودا وهو معنوي وصوري وأعني بالصوري ما يحصل في عالم المثال من طريق الحواس الخمس وأما الكشف المعنوي المجرد من صور الحقائق الحاصل من التجليات الإسم العليم والحكيم فهو ظهور المعاني الغيبية والحقائق العينية) الإلهام بالمعاني المعقولة والعلم الحضوري، يعني قسم المكاشفات إلى صورية ومعنوية .

 

بالنسبة للعلم الحضوري :

 طبعا أول من بدأ مصطلح العلم الحضوري هو شيخ الإشراق السهروردي أول من صرح به كمصطلح وإلا ابن سينا يقول علم النفس بذاتها، موجود في النمط الثالث في الطبيعيات، ولكن تقسيمه لعلم حضوري أولا بالإصطلاح وترجيحه على العلم الحصولي وتعريضه بالعلم الحصولي أول من ارتكبه هو المرحوم السهروردي في حكمة الإشراق وتلميذه أيضا الشهرزوري، والملا صدرا بعد ذلك متأخر عنهم.

 

فلنرى أولا السهروردي في مقدمة حكمة الإشراق ص13 في مجموعة مصنفات شيخ الإشراق قال : (وكما شاهدنا المحسوسات وتيقنا بأحوالها ثم بنينا عليها علوم صحيحة كالهيئة وغيرها فكذلك نشاهد من الروحانيات -المشاهدة الباطنية- أشياء ثم نبني عليها ومن ليس هذه سبيله -يعني أن يشاهد المجردات بعين قلبه كما شاهد الماديات بعينه الجسمانية- فليس من الحكمة في شئ وستلعب به الشكوك) هو يحترم البرهان لكن البرهان يصير بشرط ولا لابشرط شيء؟ بشرط شئ، لذا المرحوم المظفر والمحقق الاشتياني يرجحون ان البرهان عند الملا صدرا هكذا بشرط شيء وانا ما استبعد هذا الكلام.

 

أن من لا كشف له تلعب به الشكوك، تبقى صغرى وكبرى مرددة مبهمة هذا كلام كل من لا يعرف كيف يوجب البرهان اليقين، السر كله هذا لذلك تلعب به الشكوك، ثم قال في المطارحات أيضا ص74: (أولئك هم الفلاسفة والحكماء حقا ما وقفوا عن العلم الرسمي -سماه الرسمي لأنه يرفض العلم الحدي، شبح الحقيقة عوارض الحقيقة لا كنه الحقيقة كما يدعي الفلاسفة العلم الحدي الذي يكشف عن الكنه- بل جاوزوه إلى العلم الحضوري والإتصال الشهودي) صرح هنا بالعلم الحضوري.

 

وقال الشهرزروي في شرح حكمة الإشراق أيضا :

(إن العلوم الحقيقية تنقسم إلى قسمين ذوقية كشفية و بحثية نظرية فالقسم الأول وهو الحقيقية يعنى به معاينة المعاني والمجردات مكافحة –مباشرة- لا بفكر ونظم دليل قياس أو نصب تعريف حدي ورسمي بل بأنوار إشراقية متتالية متفاوتة تسلب النفس عن البدن وتتبين معلقة وتشاهد مجردة ).

 

آخر شئ نختم به الكلام نقلا عن المرحوم الملا صدرا في المبدأ والمعاد ص82 :

قال : (والعلم الحضوري هو أتم صنفي العلم -كشف عن ترجيحه على البرهان لا كما يقول هو أنه يأخذه بشرط البرهان –لا- وهذا ربما يؤيد كلام المظفر أكثر من كلامي- بل العلم في الحقيقة ليس إلا هو -في الأول رجح والثاني حصر، ترقى فحصر بالاول جعل العلم البرهاني مرجوح ثم جعله ليس بأصل أصلا ظلمات بعضها فوق بعض- ومن ذهب إلى أن العلم بالغير منحصر في الإرتسام لا غير كالفلاسفة فقد أخطأ وأنكر أتم قسمي العلم) هذا يشير أيضا إلى العلم الحضوري وأرجحيته على العلم الحصولي.

 

هذا ما أردنا بيانه وإن شاء الله الجلسة القادمة سنتكلم عن النقض والحمد لله رب العالمين .

 

التالي السابق