02 - نقض المنهج الكلامي وهو مما اعتمده الملا صدرا في كشف الواقع

موقع | almanteqy.com

جاري تحميل المحتوى . . . الرجاء الانتظار

قائمة الأقسام

02 - نقض المنهج الكلامي وهو مما اعتمده الملا صدرا في كشف الواقع

الشيخ أيمن المصري 29/05/2018 1784

أشارنا في البحث السابق أن هناك ستة طرق للإعتقاد ثلاثة منها علمية وثلاثة غير علمية ، الثلاثة العلمية:


هي الحس ، الثانية : التجربة والثالثة : البرهان (البرهان الميتافيزيقي)، أما الطرق غير العلمية فقلنا إنها إستقراء ، مشهورات ، مقبولات ، الإعتقاد الحاصل عن طريق الإستقراء والمشهورات والمقبولات، طبعا الطرق غير العلمية هي التي لا تفيد العلم بالمعنى اليقيني الواقعي الثابت المطلق لا أنها لا تفيد شيئا، هي تفيد الإعتقاد وهي أدلة أيضا محترمة ومعتبرة ولكن في محلها يعني بلحاظ صورة الدليل، تصل النوبة إلى الإستقراء عندما يقف القياس ينسد باب القياس الذي هو ملزم للنتيجة بلا شك وموجب للنتيجة القياس من ناحية الصورة (أ ب) و (ب جـ) فقطعاً (أ جـ).


فإذاً فاعلية الإستقراء مشروطة بانعدام القياس، يعني القياس كأنه مانع أمام استعمال الإستقراء، طالما نحن نستطيع أن نقيس فنحن مع القياس لأن الإنسان العاقل لا يترك اليقين إلى الظن ، فيأتي الإستقراء بعد ذلك وله مجال واسع جدا خصوصاً في بعض العلوم الإنسانية التي لا سبيل للقياس يعني نتيجة فقدان الكبرى عندنا يعني ما عندنا قضية كبروية واضحة.


والمشهورات والمقبولات نلجأ إليهما إذا فقدنا البرهانيات القضايا الأولية، عندما ينسد باب البرهان نأتي إلى الجدل ونأتي إلى استعمال المشهورات ونستعمل المقبولات فلا مشكلة إذ أن العقل عندما ينسد أمامه طريق الوصول إلى الواقع مئة بالمئة يأخذ الأقرب فالأقرب لأن هدفه هو الواقع لا غير، مثل الذي عند الفقهاء عندما ينسد طريق العلم بالشريعة يعني التواتر لجئُوا إلى خبر الثقة لأن بلا شك خبر الثقة فيه إقتضاء للوصول إلى الواقع وليس خبر الكاذب، فعندما ينسد باب العلم بالتواتر نأتي إلى المقبولات المعتبرة.


فعندما نقول طرق غير علمية لا يعني أنها لا تفيد شيئاً، لكنها تفيد شيئاً في محلها وهذا مبين بالتفصيل في الصناعات الخمسة وهذا مقتضى الحكمة، أرسطو قلنا لم يكن فيلسوفاً إنما كان حكيماً يضع الأشياء في موضعها، فأرسطو لم يكتب البرهان فقط، كتب الجدل وكتب الخطابة وكتب الشعر وكتب كل شئ لأنه كان حكيم لا فليسوف فقط.


ثم انتقلنا إلى القسم الثاني وبينا إن المرحوم الملا صدرا اعتمد في مدرسته الجديدة (الحكمة المتعالية) ثلاثة مناهج معرفية يعني أضاف على البرهان لأنه يسلم بالبرهان كفيلسوف، اعتمد منهجين آخرين وهما المنهج الكلامي والمنهج العرفاني الإشراقي، طبعا قبله المرحوم السهروردي هو أول من أضاف شيئاً على البرهان كفيلسوف، وهو قبل الملا صدرا يكثير أكثر من مئة سنة، أما الملا صدرا أضاف عليه المنهج الكلامي بهذا الشكل.
طبعا ما بيناه في البحث السابق أنه بلا شك يعتمد عليهم كحقائق يعني يرى أن القرآن والعرفان يفيدان اليقين كالبرهان ولكن هنا وقع إختلاف، المبنى الذي تبنيته وعرضته عليكم أنه هو يرى إن هذه الطرق الثلاث مستقلة لكشف الواقع.


يعنى كما يكشف البرهان عن الواقع مئة بالمئة هكذا أيضا النصوص الدينية الذي يراها صحيحة والمكاشفات العرفانية، بحيث يصير كل واحد لا بشرط عن الآخر، هو في نفسه طريق مستقل لكشف الواقع هذا رأيي، يوجد رأي آخر أنا أيضا لا أستبعده ولا أرده و لكن أنا أرجّح رأي الأول يعني لا بشرط.


هناك رأي آخر للمرحوم الشيخ محمد رضا المظفر في مقدمة الأسفار والمحقق مهدي الإشتياني وهذا من أكبر المحققين في الحكمة المتعالية فعلاً في القرن العشرين يعني رجل لابد وأن يُحترم رأيه، حياته كلها في الحكمة المتعالية من الخبراء في الحكمة المتعالية هو أيضا يضم صوته إلى المرحوم المظفر في أن الملا صدرا يعتمد هذه المناهج الثلاثة بشرط شيء، وهذا الكلام أنا لا أرده ولا أستبعده ولكن هو مرجوح عندي.


معنى بشرط شيء يعني عندما يؤمن بالبرهان يؤمن به بشرط أن يكون هناك نص يدعمه وكشف يعضده والعكس لا يؤمن بأي نص ديني إلا إذا كان مؤيد بالبرهان، أو مكاشفة إلا إذا كان مؤيد بالبرهان.
طبعا لا شك أنهم لم يقولوا هذا الرأي من فراغ بل هناك شواهد تؤيده يعني مثلا عندما يتكلم عن العرفاء يقول لك نحن لسنا كالصوفية نؤمن بأي كشف وإنما ما لم يكن على هذا الكشف برهان فنحن لا نؤمن به فهو يشير إلى هذا الأمر، أو مثلا في النصوص الدينية حتى لو كانت صحيحة مثل صحيحة زرارة في قدم النفوس يرد الرواية ولا يقبلها لأن البرهان على خلافها.
وأيضا يقول أن البرهاني أو الفيلسوف أو المبرهن مالم يتنور قلبه بنور القرآن أو في مورد آخر بنور العرفان لعبت به الشكوك وهذا أخذه من الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، فكما ترون أن لديهم أدله في ذلك.


طبعا أن لا أقبل هذا المبنى ويصعب علي قبول هذا الأمر لأن الملا صدرا في النهاية فيلسوف، نحن لا نعتبر الملا صدرا إنسان متكلم فقط أو إخباري أو صوفي كما يعتبره الغرب، الغرب لا يعتبره فيلسوف بل يعتبره من العرفاء دونوه بسلسة العرفاء لا الفلاسفة نتيجة إفراطه في عشقه للتصوف.
ولكن أنا أعتبره فيلسوف، هل الملا صدرا لا يؤمن بأن البرهان علة تامة لليقين هذا صعب قبوله، طبعا ممكن وليس بمحال خصوصاً هذه الشواهد موجودة لكن أنا أستبعد هذا الأمر، هو فيلسوف ويحترم البرهان ويرى البرهان علة تامة ولكن يرى أن هناك علل أخرى شريكة له في هذا الأمر، على كل هذه ليس لها ثمرة لماذا لأن في النهاية هو يؤمن أن هذه ثلاثة طرق تكشف عن الواقع سواء بنحو العلية التامة أو بنحو الإقتضاء يعني بشرط شيء أو لا بشرط.

 

سؤال للشيخ: نقلتم أن كشف الصوفية معتبر ما لم يخالف البرهان، معناته أن البرهان له الأولوية؟


أنت لا تنظر من جهة واحدة إنظر إلى الجهة الأخرى، هم لديهم معارضات مثل الروايات، هناك معارضات في كلامه، وربما حتى يكون مردد بينهم وهذا أمر تجده واضح عنده، يعني عندما يقول ما لم يتنوّر قلبك بنور القرآن أو العرفان فلعبت بك الشكوك، حتى لو عندك برهان فما معناه هذا الأمر؟ أو عندما يقدم المكاشفات على البرهان ونحن قرأنا له نصين النص الأول عندما يقول : (ولا تستحقرن يا حبيبي خطبات المتألهين العرفاء فإنها في إثارة اليقين ليست بأقل من حجج أصحاب البراهين) بل يقول (إن كثيرا من المنتسبين إلى العلم ينكرون العلم اللدني الذي يعتمد عليه العرفاء وهو أقوى وأحكم من سائر العلوم ) يعني أحكم من البرهان، ومن يقرأ الأسفار يبان له، المرحوم الملا صدرا ما ترك فيلسوف ولا متكلم ولا فقيه إلا وأهانه إلا واحد فقط يخشع أمامه وهو من ابن عربي عندما يأتي له وكأنه رسول الله يخشع تماما ويسلم له، يعني يبان من نفسيته لا يحتاج تعامل مع النصوص يسخر من ابن سينا من الفارابي من كل شيء، أما عندما يأتي إلى ابن عربي فهذا الذي لا يُرد كلامه.
نحن نريد أن نصل إلى نتيجة معينة قلنا أن هناك نظريتان، طرحت نظريتي، ثلاث طرق لا بشرط وأن هناك طريقة أخرى محتملة أيضا ومعتبرة أنه ثلاث طرق بشرط شيء.
فسواء قلنا بالمبنى الأول أو بالمبنى الثاني هو يقول بأن هناك المنهج الكلامي والمنهج العرفاني منهج معتبر في كشف الواقع، سواء بنحو الإقتضاء بنحو الإيجاب والعلية التامة هذا فيه إختلاف فيه ولا يهمنا وليس له ثمرة.


نحن نريد أن ننقض هذا الإيجاب في أنه هو يعتبره منهج فعلاً معتبر، ولا يعتبر هذا المنهج كما قال سماحة الشيخ عندما تجادلنا قبل ذلك في هذه القضية، الشيخ يقول لا هو الملا صدرا ينظر في هذه المناهج من باب إستثارة الفكرة، يعني بينفتح عليها بحيث تثير عنده تساؤلات يقيم عليها البرهان بعد ذلك،


أولا هذا لا يمكن لأنه أولا ما يثير الفكرة ليس منحصر في الكتاب والسنة أو في العرفان، ما يثير الأفكار موجود أيضا في الإنجيل، موجود في في التوراة وموجود في تعاليم بوذا وموجود في كلام الحكماء وموجود حتى في الأعراف والتراث الإجتماعي، موجود في المنامات قد ترى شئ يثير التسائل عندك فتبحث عنه على البرهان، هذا ليس منحصر في الكتاب والسنة أو في العرفان، لأ هو يعتبر هذه قنوات كاشفة عن الواقع ونحن قلنا إما أن نقول بالعلية التامة أو الاقتضاء، إذا قلنا بالعلية التامة يصير المنهج توفيقي ممكن نسميه المنهج التوفيقي، وإذا كان الإقتضاء نسميه المنهج التلفيقي، يعني حتى يؤمن بحدوث العالم لابد أن يكون فيه برهان ونص وكشف مثلا، أو على الأقل إثنين فقط يكون موجود منهم يدعموه، واحد فقط لا يكفي، نص فقط كشف فقط برهان فقط لا يكفي فيصير تلفيقي.


اليوم بحول الله تعالى نريد أن ننقض المنهج الكلامي للملا صدرا،

 

نحن عندما ننقض المنهج الكلامي من حيث هو منهج كلامي لا من حيث هو الملا صدرا، الملا صدرا تبناه فلذلك عندما ننقض المنهج الكلامي لا نحتاج أن نستأنف شيء جديد، هو نفس نقضنا له سيكون عند نقض المنهج الكلامي، سواء هو يعتبره علة تامة أو مقتضي كما قلنا، لذلك هنا نريد أن نقرأ بعض النصوص التي أوردها المتكلمون حتى نعرف ما هو منهجهم نحن قلنا في سائر بحوثنا أكثر من مره، أن الفرق الرئيسي بين المتكلم والفيلسوف المتكلم يعتقد ثم يستدل والفيلسوف يستدل ثم يعتقد، وللأسف الكثير يخلط بينهم حتى في المراكز الأكاديمية يعتبروا أن أبو حامد الغزالي فيلسوف، وإنما هو متكلم، مع إحترمنا للجميع المتكلم يعتقد ثم يستدل والفيلسوف يستدل ثم يعتقد.


تقول لي ما دليلك على هذا؟

 

أقول لك من كلامهم، إنما يشترط في صحة البرهان أن يكون على طبق قانون الشرع يعني صحة البرهان مشروطة بموافقته للنص والشرط متقدم على المشروط، فإذاً قد إعتقدَ ثم أخذ إعتقاده شرطاً في صحة البرهان، الشرط متقدم على المشروط عندما تقول هكذا، على قانون الإسلام.


طبعا في نقطة مهمة أن المتكلمين ليسوا سواء، عندنا المتكلمين القدماء بدءاً بأبو الحسن الأشعري والجويني وجماعتهم هؤلاء كانوا قريبين جداً من الإخباريين، وهناك متكلمين يؤمنوا بالمنطق حقيقةً وهم الغزالي فما فوق، الغزالي والتفتازاني والرازي هؤلاء يؤمنون بالبرهان كمستقل، ولكن دائما مسألة الشرع ضرورة عندهم.


نقرأ هنا ما نقله التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم صـ30 عن الغزالي قوله: (موضوع علم الكلام هو الموجود بما هو موجود -يعني صار هو نفس موضوع الفلسفة- ويمتاز عن الفلسفة بإعتبار أن البحث فيه على قانون الإسلام لا على قانون العقل وافق الإسلام أو لا).


قال التفتازاني في شرح المقاصد ص 39: (يتميز الكلام عن الفلسفة بأن البحث فيه إنما يكون على قانون الإسلام أي الطريقة المعهودة المسماة بالدين والملة والقواعد المعلومة قطعا من الكتاب والسنة والإجماع) يعني أضاف حتى الإجماع والإجماع أصلا ليس بحجة في الفروع حتى يصبح حجة في الأصول، المرحوم اللاهيجي لما ينظر لكلمة الإجماع يقول له يا تفتازاني الإجماع دليل شرعي والدليل الشرعي متوقف على صحة الشرع وصحة الشرع متوقفة على وجود الله ووجود الله متوقف على برهان الحدوث عندكم فلو توقف برهان الحدوث على الإجماع لزم، كيف تجعل البرهان مشروط بدليل.


ماهي قواطع الكتاب والسنة والإجماع عنده إلتفت؟ قال (مثل كون الواحد موجد للكثير) ، فلا يوجد شيء إسمه الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، الواحد موجد للكثير ، ما صدر عن الباري كثير هذه من بديهيات الكتاب والسنة، كيف صار هذا وكيف انتزعه لا أدري، يعدد بأن الواحد يوجدالكثير لا يوجد واحد فقط. (وكون الملك نازلاً من السماء) تنزّل الملائكة، نازل فلا تقول مجرد وثابت ولو جاء ألف برهان على أنه مجرد. (وكون العالم مسبوقا بالعدم وفانياً بعد الوجود وإلى غير ذلك من القواعد التي يقطع بها في الإسلام دون الفلسفة وإلى هذا أشار من قال الأصل في هذا العلم –يعني علم الكلام- التمسك بالكتاب والسنة) فهذا صريح في أصالة النص عنده يعني يعتقد ثم يستدل.


وقال التفتازاني أيضا في نفس المصدر قال بالجملة : (فحاصل علم الكلام أن يحافظ في جميع مباحثه على القواعد الشرعية ولا يخالف القطعيات منها جرياً على مقتضى نظر العقول القاصرة على ما هو قانون الفلسفة) لابد عينك على النص يعني مشروط دائما بالنص هذا الخط الأحمر مرسوم لك، وهذه القواطع التي أخذها لا أدري كيف انتزعها، المهم هو انتزعها واعتبرها مسلمات وخطوط حمراء.


ثم قال أيضا في النهاية في ص 22 في شرح المقاصد (قد تطابقت الملة والفلسفة على الإعتناء بتكميل النفوس البشرية في القوتين النظرية والعملية) يعني الفلسفة والملة والدين لهم هدف واحد تقوية العقل النظري والعملي، التعليم والتربية كما قلنا وهذا صحيح ثم يقول (وتسهيل طريق الوصول إلى الغايتين إلا أن نظر العقل يتبع في الملة هداه وفي الفلسفة هواه) كلام في غاية الخطورة هذا كلامه هو، نحن لا نفتري عليه والذي يقول به ليس أي شخص إنما التفتازاني الذي ألف في منطق أكثر من ابن سينا والفارابي حواشي وشروح ومتون، إنظر كيف يتكلم هذا الكلام، العقل يتبع في الملة هداه وفي الفلسفة هواه كيف يعني صار البرهان هوى؟ ، انت يا تفتازاني لو أنت رجل بصحيح هذا الكلام اجعله في كتبك المنطقية، الكتب المنطقية التي لديك هي نفس المنطق الأرسطي لا يوجد شئ جديد، أنت قبلت المنطق الأرسطي بحذافيره لم تشكل على هذه القضايا، ثم تأتي في بحوث العقائد وسط العوام وتتكلم بهذه العبارات التي تعجبهم، هذه هي الإزدواجية، هو نفس المنطق الأرسطي سلم به وإعتمد أن هذا الحق المبين، أنت المقبولات قبلتها بأنها ليست دليل من الدرجة الأولى دليل لا يفيد اليقين، وهنا تأتي وتقول هذا فوق البرهان، المهم أن المتكلمون هكذا ومشكلتهم الأساسية مع الفلاسفة هي هذا.


طبعا في نقطة مهمة الخلاف الأصلي بين المتكلمين والفلاسفة ليس فقط الخلاف في النتائج وإلا الفلاسفة نفسهم بينهم إختلافات والمتكلمين بينهم إختلافات، ولكن لماذا كفروا الفلاسفة، لأن الخلاف معرفي وهو لإكتفائهم بالبرهان العقلي ويعتبروا ذلك خروجاً عن الملة ولذلك تجد الفخر الرازي في الإشارات حتى الأدلة التي تثبت التوحيد والمعاد يجرحها، يريد أن يثبت أن هذا الطريق غير صحيح، الطريق العقلي البرهاني المستقل هذا لا ينبغي أن نؤيده أو ندعمه حتى لو أدى إلى نتائج تثبت التوحيد والنبوة والمعاد، مشكلة معرفية في النتيجة، على كل هذا خارج عن بحثنا فالمتكلم صراعه في هذا الأمر، لذلك دخلوا في صراع شرس مع الفلاسفة وكفروهم نقول أنت تعتبر البرهان كموجب لليقين لوحده فلماذا تكفره، هذا إجتهد وأخطأ وأنت عندك المجتهد إذا إجتهد وأخطأ فله أجر، ابن سينا إجتهد وأخطأ عنده برهان على قدم العالم إجتهد وأخطأ فلماذا كافر؟ أنت لا تخطأ كفقيه؟ تحلل الحرام وتحرم الحلال إذ أنك تخطأ ويكون لك أجر، لكن لا الأمر ليس هكذا الأمر أعمق من ذلك دوافع أيديلوجية وسياسية أخرى.


أختم ما أريد قوله أن المبنى الكلامي مبني على ركنين أساسين:


الأمر الأول: أن النصوص الدينية هي الطريق إلى الحقيقة وهذا ما يؤمن به الملا صدرا سواءً آمن به على نحو الإقتضاء أو العلية التامة، أن هناك حقائق مدرسية تخصصية موجودة في الكتاب والسنة، كل مباحث الشفاء والإشارات موجودة في الكتاب والسنة كل مباحث الفيزياء والرياضيات موجودة في الكتاب والسنة، عالم الحقائق العلمية والحقائق الفلسفية، قطاع كبير يؤمن بهذا الأمر، كل الحقائق موجودة ولكن فقط محتاجة إجتهاد خاص.


الأمر الثاني: أن هذه الحقائق يمكن العلم بها، أن نعلمها نستخرجها ونستنبطها بنحو علمي وإذا كان هكذا فلا داعي إلى الفلسفة ولا العلوم الأخرى، نحن من الكتاب والسنة نستخرج كل شيء.


أجبنا قبل ذلك في بحوثنا السابقة لا أكرر كلامي كثيراً، أنه لا يمكن أن نعتبر الكتاب والسنة كتاب علمي، أنت لو فتحت القرآن الكريم أمام عينك فالكتاب ليس علمي، الكتاب العلمي فيه وحدة موضوع، والقرآن لا يوجد فيه وحدة موضوع، القرآن الكريم فيه آية تتكلم عن التوحيد ثم بعدها حكم شرعي ثم بعدها موعظة ثم بعدها قصة، ليس كتاب علمي ليس له وحدة موضوع وبالتالي وهو أيضا تجد القرآن الكريم يجتنب بشدة الخوض بالمسائل العلمية مثلا عندما سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مسائل المسألة الأولى تاريخية عن أهل الكهف، عندما سأله اليهود من هم، ما أسمائهم، تاريخهم كانوا في أي مكان في أي زمان، نزل جبرئيل لم يجب على أي سؤال من هذه الأسئلة أصلا، النصوص جاءت في سورة الكهف المباحث الموجودة ليست مباحث تاريخية مدرسية لأن المسائل التاريخية متقومة بالعدد بالتاريخ بالزمان بالمكان هذا ليس موجود في سورة الكهف حتى العدد (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) يعني لم يجب، إنما قال (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) يعني أزاحك إلي الجانب العملي الأخلاقي المطلوب، أيضا لما سأل الصحابة النبي عن أوضاع القمر تغير أحوال القمر من هلال إلى بدر، سؤال فلكي وكان موجود وأجيب عنه من أيام أرسطو لكن الصحابة لم يكونوا يعلموا ذلك، ولكن كيف جاء الجواب (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) لم يجب عن السؤال أحاله على الجانب العملي، وأيضا سؤال فلسفي (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) مجردة، مادية، قديمة، حادثة، لم يجب، لماذا لم يجب هل الله لا يعرف الجواب؟، هو يريد أن يقول لك أنا ليس من شأني الجواب على هذه المسائل العلمية، وثانيا هذه المسائل العلمية من شأن الإنسان أن يصل إليها بنفسه بالبحوث العلمية بالتأملات العقلية والتجربة الحسية وقد وصلوا، وصلوا للقمر وصلوا لأعظم الفلسفات الموجودة، وكشفوا كل التاريخ، والجولوجيا الموجودة، فهو ليس في مقام بيان هذه النصوص هذا أمر واضح جدا لمن يقرأ القرآن، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس كان في مقام تدريس علوم مدرسية، هذه المباحث المدرسية تريد أن تستخرج قاعدة الواحد وأصالة الوجود والحركة الجوهرية من القرآن كما فعل الملا صدرا؟! يعني بالله عليك هل يمكن بيان الفلسفة بلا منطق، المنطق مقدمة لازمة للفلسفة بل لسائر العلوم، النبي لم يفتح درس منطق ولا حتى علوم قرآن وحتى علوم الفقه لم لا يوجد، كان فقط تلقين وتوجيه ووعظ وإرشاد، ليس في مقام بيان هذه المباحث إذ أن هدفه الهداية لا التعليم المدرسي الذي هو قائم على المنطق الأرسطي.


طبعا لا يعني هذا أن الإسلام ليس فيه واقع، هو يتكلم عن الواقع لكن الواقع الفطري الذي يدركه كل الناس، لكن الكلام أنه ليس هناك حقائق تخصصية موجودة في القرآن التي اكتشفناها في المدارس والجامعات على أيدي متخصصين، يوجد في القرآن حقائق في التوحيد في الأخلاق التي هي الفطرية العامة فإذا هذا أمر غير واجب.


سلمنا أن هنا حقائق كما يدعي أصحاب الحكمة المتعالية وأنها تُركت للمتأخرين حتى يكتشفوها بعد دراسة هذه العلوم، سؤال: كيف علمت بها؟ يعني أنت عندما تقرأ هذه الآية (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ) (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) تقول هذه قاعدة الواحد كيف عرفت؟ دليلك ما هو؟ إذا كان القرآن هو ظني الدلالة باتفاق فقهاء المسلمين جميعاً سنة وشيعة كيف يحصل لك العلم أن المراد من هذه الآية هذه القضية الفلسفية أو الفيزيائية، يستخرج لك قانون أينشتاين والكوانتم كله من القرآن هذا جنون، يعني هذا شئ لا يمكن العقل السليم يقبله، القرآن ظني الدلالة منفتح على كل المعاني كما قال القرآن الناطق عليه السلام أمير المؤمنين لابن عباس (لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون) يعني منفتح على معانٍ متعددة، يعني كيف يحصل لك العلم يا ملا صدرا أو يا ابن سينا أوغيره أن هذه الآية تعني فعلا قاعدة الواحد، قاعدة الواحد صحيحة لكن الكلام في المطابقة أن هذه الآية مراد بها قاعدة الواحد، الملا صدرا استخرج قاعدة الواحد منها، واستخرج أصالة الوجود، و وحدة الوجود (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) واستخرج الحركة الجوهرية (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) هذه الحركة الجوهرية، يعني شئ رهيب، تسأله أنت كيف أستنبطت هذا المعنى يقول لك هذا معنى خفي باطن، أما ظاهر القرآن فنعم لا علاقة لي به، الباطن نحن نعرفه، نحن وأهل الله الراسخون في العلم، يعني مصادرة، يعني حتى لا يقول لك كيف إستنبطه، أنت ما هو منهجك في إستخراج هذه الحقائق؟ منهج المفسرين والمحدثين موجود ومقبول كله لأنها طرق عقلائية، تريد أن تفسر القرآن بنظام اللغة، بالنظام العرفي، تفسر القرآن بالقرآن، بالروايات، بأسباب النزول أهلا وسهلا، هذه طرق موضوعية وضعها المفسرون، ولكن طريقتك ما هي لم يذكرها، نحن أهل الله وهذا سر في القلب، هنا المشكلة وهذا يفتح باب الخرافات وباب التأوّلات لأنه لا يوجد منهج منضبط منهج موضوعي.


ثم أنت إستنبطت مبانيك كلها للحكمة المتعالية من القرآن الكريم والسنة ماذا عن السيد الداماد وهو كان يفهم في القرآن والسنة أكثر من الملا صدرا مفسر ومحقق ومحدث أكثر من الملا صدرا واستخرج أصالة الماهية والحدوث الدهري كله من الكتاب والسنة، لا يمكن أن تقول له أنت لم تفهم الكتاب والسنة.


المتكلمون بلا شك نحن نختلف معهم لكن نحترمهم كمفسرين كأدباء كمحدثين من الدرجة الأولى إستخرجوا أشياء التي نقلناها عن التفتازاني الآن، ان الواحد صدر منه الكثير، خلاف المبادئ الفلسفية، وحدوث العالم الزماني ..الخ هو فهم من القرآن هكذا وفهم من السنة هكذا لا تستطيع أن تقول له أنت لا تفهم لأنه يفهم اللغة العربية أحسن منك ويفهم القرآن جيداً فلا تستطيع أن تصادر رأيه كعالم وكمفسر.


الآن الإخوان التفكيكيين الموجودين في مشهد وغيره، حدث ولا حرج بعد، إذ أنهم كفروا الملا صدرا، هؤلاء لم يتركوا مبنى واحد للملا صدرا استنبطه من الكتاب والسنة إلا ودحضوه وجائوا بما يعارضه، أنا لا أقول أن كلامهم صحيح أو خطأ، لكنهم محترمين وناس علماء كبار محدثين ومفسرين، فلماذا يا ملا صدرا أنت الذي إكتشف الحقيقة دون غيرك، إذاً هذا الباب ليس له ركيزة موضوعية متينة نستطيع نحن أن نعول عليها بحيث أنت تثبّت وتقول وتبا لفلسفة خالفت الكتاب والسنة، أي كتاب وسنة يا ملا صدرا؟ الكتاب مثلا كل آية فيها خمسين تفسير، السنة إختلفت عليها الأمة سبعين فرقة، أي كتاب وسنة التي تريد حتى تبطل الفلسفة والبرهان إذا خالفتها؟ هذا كلام شعري وبيانات شعرية لا ينبغي أن تصدر من إنسان عالم فضلا أن يكون فيلسوف، البيانات الشعرية هذه لم تحل المشكلة.


في نهاية كلامي المفروض أنت في البداية صاحب منهج تعال ونقح الحجية المعرفية لهذه المناهج المعرفية كما فعل الفلاسفة، الفلاسفة قبل أن يدخلوا الفلسفة أو حتى في العلوم نقحوا مبانيهم العلمية في المنطق وصناعة البرهان نقحوها وبينوها، لكن لا الإخباريين ولا المتكلمين ولا الصوفية ولا المحدثين الآن في الغرب نقحوا مبانيهم المعرفية أصلاً يبنوا على مبنى معين ويأخذه مسلم، هذه مغالطة، نحن نقبل لكن الأول اثبت الحجية ثم إحتج، يعني إثبت دليلية الدليل ثم إحتج به، فقهائنا رضوان الله عليهم عملوا علم أصول الفقه حتى يثبتوا دليلية الدليل الشرعي، لا فقط يقول لك أستنبط من القرآن، من قال القرآن حجة، قال لك نعم القرآن حجة فنفتح له باب في حجية القرآن، حجية خبر الواحد، حجية الإجماع، يعني إجتهدوا أصابوا أو أخطئوا بحث آخر، لأن ذلك مقتضى العقل وهو انك تثبت دليلية الدليل قبل أن تستند إليه، أما قضايا نحن أهل الله والراسخون في العلم ونور الأنوار وسر الأسرار هذه قضايا تضحك بها على الناس السذج، وهذه مستعملة بكثافة في المجلدات التسعة لمن يقرأ هذا الكلام، هذا ما أردنا بيانه في نقد المنهج الكلامي للملا صدرا، أولا أنه لا يوجد حقائق تخصصية في النصوص الدينية وإن سلمنا أن فيها حقائق تخصصية فلا يمكن العلم بها بالإضافة أنك لم تبيّن حجية هذا المنهج النصي الكلامي في كلامك.


والحمد لله رب العالمين .

 

 

التالي السابق