01 - تأصيل عقلي للمنهج المعرفي على طبق صناعة البرهان وتقرير وصفي للمنهج المعرفي للملا صدرا
نشرع بحول الله تعالى وقوته في بحثنا الأسبوعي الجديد حول تعليقاتنا على الأسفار الأربعة للمرحوم الملا صدرا والتي كتبناها منذ أكثر من أثنتي عشر سنة تقريبا والهدف من هذا البحث أمران:
الأول هدف تعليمي: الهدف التعليمي هو نقض المباني المعرفية والفلسفية للحكمة الصدرائية المتعالية التي هيمنت وما زالت تهيمن على أغلب المراكز العلمية سواء الدينية منها أو الأكاديمية داخل أو خارج إيران منذ أكثر من أربعة قرون، حتى أصبحت في نظر الكثير ناسخة لما قبلها من الفلسفات.
الهدف الثاني: هو هدف تربوي هو أن نتعلم أو نعلم أنفسنا أو نربي أنفسنا على الحوار النقدي الفكري العقلي الموضوعي الهادئ لأن هذه من أفضل الملكات الخلقية لطالب العلم أو الحكمة بالذات.
لذلك هذا الدرس لن يكون كسائر الدروس بأن يكون هناك متن أشرحه ثم بعد ذلك تكون بعض الأسئلة المطروحة ليس هكذا، الدرس درسكم أنا لست إلا مجرد محرك أحرك البحث، سأتكلم في حدود نصف ساعة تقريبا أبين وجهة نظري في بعض المسائل ثم بعد ذلك نترك الفرصة للأخوة الأفاضل يطرحوا تساؤلاتهم أو إشكالاتهم المختلفة إذا كان هناك سؤال متوجه لي أبينه، وإذا كان هناك إشكال فلن أجيب عليه ولكن أترك الأمر لكم أنتم تجيبون على بعضكم البعض، هذا هو الحوار الأساسي، أنا مجرد واحد منكم إذا كانت الإجابة تامة من جانبكم فبها ونعمت وإلا أنا ممكن أتدخل وأكمل الجواب أو أقوي الجواب فهذا هو ما نرجوه إن شاء الله في سير البحث ، إذا سأتكلم أولا ثم أترك الوقت بعد ذلك أو الفرصة لأي سؤال أو استفسار أو إشكال ، لذلك أي إشكال يطرأ على أذهانكم اكتبوه و حتى لا تقاطعوني أثناء الكلام وأنا في خدمتكم بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
طبعا نحن كما قلنا الهدف التعليمي هو نقد المباني المعرفية والفلسفية ومقصودنا الأول وبالذات هي المباحث المعرفية لأن اختلافنا مع المرحوم الملا صدرا اختلاف معرفي أكثر مما هو إختلاف فلسفي بل إن إختلافاته الفلسفية معلولة لمنهجه المعرفي الذي ارتضاه لنفسه على خلاف جمهور الحكماء ولذلك هذا الخلاف المعرفي كما تعلمون هو خلاف جوهري وليس خلاف عائلي داخلي كما يقال، الخلافات الفلسفية هي موجودة حتى بين الأخوة المشائين فيما بينهم البعض هذا خلاف يصير خلاف عائلي داخلي أما الخلاف المعرفي يكون خلاف خارجي يعني أجنبي عن العائلة الواحدة عائلة الصناعة.
فالخلاف معه في هذا لذلك نحن نؤكد على هذا الأمر في الدروس أو الجلسات الأولى سوف نعطيها لنقض البحث المعرفي قبل الدخول إلى نفس التعليقة التي هي متعرضة لنفس كتاب الأسفار بحسب ترتيب أبوابه فلذلك سيكون أول جلستين أو ثلاثة متعلقة بالبحث المعرفي أو النقض المعرفي.
البحث سوف نقسمه إلى قسمين:
القسم الأول: قسم تأصيلي عقلي للمنهج المعرفي الصحيح على طبق صناعة البرهان.
القسم الثاني: هو تقرير وصفي للمنهج المعرفي للمرحوم الملا صدرا.
فالقسم التأصيلي هو قسم تقريري أو توصيفي، كما تعلمون أن الحق في الإعتقاد كما بينا قبل ذلك في بحوثنا السابقة، طبعا الأخوة الحاضرين أخوة كلهم من الفضلاء القدماء الذين حضروا دروسنا وإطلعوا على مناهجنا ومبانينا فنحن سوف نشير إشارات ولن نخوض فيما طرحناه من قبل حتى لا يكون هناك نوع من التكرار الكثير إذا كان هناك نوع من الإستفسار من الأخوة الآخرين فممكن بعد الدرس لا بأس.
نحن بينا إن الحق والحقيقة في نفس الأمر هو ثبوت المحمول للموضوع في نفسه بلا تعمّل عقلي، هذا معنى الحق ، يعني عندما نقول الله واحد حق يعني الوحدة ثابتة للباري تعالى في نفسه بلا تعمل وإختراع عقلي هذا هو ما حققناه وأثبتناه هذا معنى الحق، للوصول لهذا الحق هناك ستة طرق ثلاثة منها طرق علمية وثلاثة أخرى غير علمية، ثلاثة علمية يعني توصل للواقع، تفيد العلم، والطرق الأخرى هو سعي للوصول إلى الواقع و لكن لا تفيد العلم .
الطريق العلمي الأول : هو عن طريق الحس، الحس الظاهر طبعا الذي هو مرتبط إرتباط مباشر بالأشياء الخارجية ويعكس لنا بأمانة كما قلنا الأمور كما هي، ثم يحكم العقل بعد ذلك فيها بأحكامه الخاصة، فالحكم الحسي يفيد أيضا العلم بسبب هذا الإرتباط المباشر مع الأشياء في الخارج وبمعونة قانون العلية والسنخية نستطيع أن ندرك مطابقة الصور الحسية للأشياء الخارجية وقلنا أن الحس ناقل أمين وليس بحاكم وأن الحاكم هو العقل الذي يصيب ويخطأ هو العقل لا الحس، ولكن طبعا الحكم الحسي العلمي هو حكم جزئي وليس حكم كلي لذلك هو في الحقيقية يسمى معرفة وليس بعلم ولكن نحن ندخله بالعلم بمعناه الأعم سواء كان جزئي أو كلي لأنه يكشف الواقع في النهاية يفيد حكم جزئيا.
الطريق العلمي الثاني في كشف الواقع : هو التجربة وهي أيضا من مبادئ البرهان كما قرأتم في صناعة البرهان لأنها عن طريق تكرار الملاحظات وإستخدام قانون العلية يتم إحراز العلاقة العلية بين الأثر والمؤثر ويمكننا بعد ذلك أن نعمم القانون بنحو يقيني علمي لوجود أو لإحراز العلاقة الذاتية بين الأثر والمؤثر في التجربة مع ملاحظة الشرائط الأخرى المذكورة في التجربة، هذا هو الطريق العلمي الثاني التجربة مستعملة في العلوم الفيزيائية والكميائية وأمثالها، بأن يثبت المحمول للموضوع أيضا في نفسه، في الحس هو يشاهد ثبوت المحمول للموضوع المصباح منير ترى المصباح وترى النور يخرج منه وتثبته، يعني إثبات المحمول للموضوع مباشرة بالحس، التجربة نفس الشئ لكن تكرار المشاهدة مع قانون العلية والسنخية يثبِّت أيضا المحمول للموضوع في نفسه وهذا هو الواقع هو نفس الأمر وهذا هو الصدق .
الطريق الثالث هو: البرهان العقلي ، طبعا الطريق العلمي الأول والثاني متعلق بالموضوعات المادية أما الثالث متعلق بالموضوعات المجردة، الأحكام الميتافيزيقية التي أنكرها كانط في كتابه نقد العقل وأنكرها الإتجاه الحداثوي الغربي لا يؤمن بالعقل الميتافيزيقي التحليلي.
هذا العقل كيف يثبت المحمول للموضوع؟ عندما يرى المحمول مأخوذ في حد الموضوع أو الموضوع في حد المحمول، فهذا من باب حمل الشيء على نفسه فبالتالي أيضا يثبت المحمول للموضوع في نفسه ويرجع إلى أصل الهوية، أما أن يكون المحمول مقوّم للموضوع مثل الإنسان حيوان أو الموضوع مقوّم للمحمول مثل الأربعة زوج، الماهية ممكنة، هذه العوارض الذاتية ، فإذاً عن طريق التحليل العقلي البرهاني نستطيع أيضا أن نصل إلى العلم بالمسألة ، العلم بالقضية ، العلم بالواقع ، هذه هي الطرق العلمية التي ثبت في صناعة البرهان إنحصار العلم فيها في المنطق وفي صناعة البرهان وفي نظرية المعرفة إنحصار العلم فيها بالمعنى الذي بيناه والسبب واضح كما قلناه، وبالتالي العلماء بالمعنى هذا المعنى سوف يصبحوا منحصرين في من ؟ طبعا الحس إذا نحن جعلناه من المعرفة سوف يبقى العلم فقط في التجربة والبرهان الميتافيزيقي فالذي عنده العلم هم الفيزيائيون والرياضيون والفلاسفة ، الفيزيائيون يعتمدوا التجربة، الرياضيون يعتمدوا أيضا العقل التحليلي بمساعدة الحس والفلاسفة اللذين يعتمدون البرهان الميتافيزيقي هؤلاء هم العلماء بهذا المعنى للعلم، وهذا الأمر كان معروف منذ أرسطو إلى السيد الداماد كان هذا الأمرمعروف ومسلم به لذلك كانت الحكمة النظرية محصورة في المنطق والفيزياء والرياضيات والإلهيات وهذا كان شئ واضح عندهم.
أما الطرق غير العلمية التي يسعى الآخرون للوصول إلى الحق فيها وإثبات الإعتقاد الصحيح فيها إما نتيجة جهلهم بهذه الطرق العلمية أو نتيجة عجزهم، يعني إما لا يعرفونها وإما يعجزون عن إستعمالها أو يتوهمون أن هناك طرق أخرى موصله للواقع وللحقيقة.
الطريق الأول : الإستقراء الذي يعتمد عليه الغربيون الآن ويعتمدونه ويعتبرون هذا المنهج العلمي ، الإستقراء دليل معتبر لا ننكره، إذ أن الذي وضع الإستقراء الحكماء لا الغربيون، أرسطو وضع الإستقراء ، له إعتباره ولكن له أيضا محدوديته لأنه لا يفيد إلا الظن الكلي، الإعتقاد الكلي الظني والسبب لأنه يعتمد على الظن بأن هذا الأصل المشترك بين الأفراد راجع للطبيعة المشتركة، لأنه يظن بأن هذا الأثر الفردي الموجود في الأفراد نابع من الطبيعة المشتركة فيعمم الحكم بناء على هذا الأساس وقلنا إن هذا يرجع للقياس لا ينتج إلا بالرجوع إلى القياس، إذا الطريق الأول من الطرق غير العلمية هو الإستقراء إذ أنه قد يصيب وقد يخطأ .
الطريق الثاني : إعتماد المشهورات الأعراف الإجتماعية في إثبات المحمول للموضوع، هذا الإعتقاد مشهور لشهورته يصدقون به كما هو عليه الكثير من العوام، طبعا المشهورات أيضا لا يمكن أن تؤمل الواقع لأنها نسبية ومتغيرة، مشهورات العرب غير مشهورات العجم غير مشهورات الغربيين، مشهورات العراق الآن غير مشهوراته من مائة سنة مثلا مائتين سنة تغيرت، الأعراف بطبيعتها نسبية ومتغيرة لهذا لا يمكن أن نعتمد عليها في إفادة اليقين الصادق المطلق والذين قالوا بالنسبية في العلوم نظرهم لهذا الأمر أن كل الإعتقادات مبنية على المشهورات والأعراف وبالتالي تصبح نسبية ومتغيرة لجهلهم بصناعة البرهان.
الطريق الغير العلمي الثالث: هو إعتماد المقبولات، كلام الأكابر، في إثبات المحمول للموضوع وهذه ممكن إدراجها كلها تحت عنوان التعبديات كل التعبديات المأخوذة من الكبار ثقة بهم هي المقبولات وهي أحد الطرق العقلائية لا العقلية لإثبات المحمول للموضوع، هو أصلا المقبولات يعني المنقولات (received) يعني المتلقاة المنقولة لك من الله من الرسول من الإمام من الطبيب من المهندس من أبيك من أمك من أخيك من شيخك أي موجود تثق به قال لك أن (أ ب) تقول سمعنا وأطعنا ثقة به، طبعا كلها منقولات وتعبدية والتعبديات هي هذه التعبد يعني إحتجاجك بالحد الأوسط لأن فلان قال هذا هو الحد الأوسط لماذا آمنت بأن (أ ب) لأن أبي قال مثلا، لأن شيخي قال فيكون قول الثقة هو الحد الأوسط في الإستدلال هذه هي المقبولات.
طبعا في المقبولات أيضا نفس المشكلة الموجودة في المشهورات هي أيضا نسبية ومتغيرة أنت تثق بشيخك أنا لا أثق في شيخك، أنا أثق في شيخي أنا، مثل الشيعة والسنة هؤلاء عندهم ثقاتهم غير ثقات هؤلاء، ذاك يثق في أبي حنيفة وهذا بالإمام جعفر الصادق عليه السلام مثلا، الإختلاف واضح الثقة والأئمة مختلفين أو بين المسلمين والمسيحيين مثلا، المقبولات أيضا نسبية ومتغيرة لذلك هي أيضا غير علمية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون علمية، قد تصيب الواقع وقد تخطأه حالها كحال المشهورات.
هذه هي الطرق الستة التي تدخل في كشف الواقع وتكون مباني ومنطلق للإعتقاد، هذا هو القسم الأول .
القسم الثاني المنهج المعرفي للمرحوم الملا صدرا
الذى خالف فيه جمهور الفلاسفة منذ أرسطو إلى السيد الداماد، الفلاسفة بطبيعة الحال لأنهم ثبت عندهم في صناعة البرهان أن البرهان هو الطريق الوحيد الذي يكشف الواقع غير المحسوس فلذلك إعتمدوا البرهان في البحث عن أحكام الوجود المطلق في الفلسفة، لأن الفيلسوف هدفه الحقيقة، يريد أن يعرف الحقيقة، وقد ثبت في الصناعات الخمسة أن الذي يفيد الحقيقة هو فقط البرهان وحده لا غير، وبالتالي كان إعتمادهم على البرهان منذ أرسطو إلى السيد الداماد، كانوا يعتمدون على البرهان فقط في معرفة أحكام الوجود، مباحث الوجود، من أول المقولات إلى مباحث المعاد، كانوا يعتمدون فيه على البرهان العقلي المحض التحليلي.
المرحوم الملا صدرا أضاف طريقيين آخرين للمعرفة اليقينية طبعا عندما أضاف ، أضافها كفيلسوف وباحث عن الحقيقة؛ هو يرى أن حصر الفلاسفة معرفة الحقيقة في البرهان العقلي هذا خطأ كبير وحرمهم من الكثير في من المعارف الإلهية والمعارف الفلسفية المهمة، بل أوقعهم في الخطأ في بعض الأحيان، هو قال هناك طريقان أخريان:
- الطريق الأول هو النقل الديني يعني النص الديني.
- الطريق الثاني الآخر هو الكشف العرفاني.
وأعتبر هذة القنوات الثلاثة هي على حد سواء في إيصالها إلى اليقين بالمعنى الأخص وإثارتها لليقين الصادق المطلق لذلك قال البرهان ، والقرآن والعرفان، كما هذه هي شعار الحكمة المتعالية، وسمى حكمته بالحكمة المتعالية من باب تعاليها عن الإكتفاء بالبرهان لأنه يرى أنّ التقيد بالبرهان هذا نوع من الإنحدار والإنحطاط فهو تعالى على أن يقيد نفسه بقيد البرهان فقط وإنما وسع آفاقه المعرفيه بالقرآن وبالعرفان وبالتالي اعتبر إن هذه ثلاث طرق تفيد اليقين.
نحن سوف نقرأ المتون التي أشار إليها في هذا الأمر لتثبت منهجه المعرفي الثلاثي المنهج التلفيقي، هو الذي يُفهم من كلامه هنا وهناك ومن فحوى كلامه الذي دعاه إلى ذلك هو إستدلال بسيط جدا أنه قال كيف يكون كلام الله والرسول المعصوم لا يكشف الواقع، البرهان كما يكشف لنا الواقع أيضا الله ورسوله والمعصومين يكشفون لنا الواقع ، إذاً حصر الواقع في البرهان هذا غير صحيح فلا بد أنه نحن أيضا نتوسل بالنصوص الخاصة الصحيحة للوصول إلى الواقع لأنها كاشفه وصادرة عن المعصوم سواء كان الله أو الرسول أو الأئمة عليهم السلام، أما العرفان على أساس أنه علم حضوري والعلم الحضوري عند العرفاء هو حضور الواقع بنفسه عند العالم وبالتالي فهذا هو عين اليقين، البرهان علم اليقين، هذا عين اليقين الحقيقة نفسها تأتي بنفسها عندك كما هي بشراشرها، فكيف نهملها ونقول أنها لا تكشف عن الواقع.
إذاً باختصار إعتماد النقل كطريق معرفي موازي للبرهان هو عصمته، إعتماد المكاشفات العقلية هي في كونها علماً حضورياً يكشف الواقع كما هو عليه، فإذاً الإكتفاء بالبرهان ليس بصحيح هذا إلى دعاه لهذا الأمر.
ولذلك نجده في كل كتبه عندما يثبت شيء بالبرهان يذهب إلى النصوص الدينية ليستخرج ما اكتشفه بالبرهان ثم أيضا يحاول أن يكاشف أو ينقل بعض المكاشفات التي تؤيد نفس ما قام عليه البرهان أو العكس عندما يكتشف شيء من النصوص الدينية يسعى لإقامة البرهان عليه ثم مثلا يدخل الصومعة لإستجلائه بالمكاشفة العرفانية، أو تحصل له مكاشفة عرفانية ثم يلوذ بعد ذلك لإثباتها بالبرهان العقلي وتطبيقها أيضا وإستخراجها من الكتاب والسنة.
هذا هو ديدنه في الكتاب كله، هذه الحركة الدائرية بين القنوات الثلاثة المعرفية التي إعتمادها هذه واضحة جدا، نضرب بعض الأمثلة السريعة على هذا الأمر، من الأمثلة على القضايا التي أثبتها أولا بالبرهان مثلا:
قاعدة الواحد: قاعدة برهانية من أيام أرسطو قديمة ثبتت في البرهان هو آمن بها فقام بإستخراجها من القرآن ومن الروايات ومن المكاشفات، هذا أحد الأمثلة الذي هو بدأ فيها بالبرهان، لذلك هو يقول عندما دخلت الصومعة ما كنت أقمت عليه البرهان رأيته بالعيان، هو داخل بهذا الهدف مثل قاعدة الواحد.
أما الكتاب والسنة مثل المعاد الجسماني لأن لا شك أن الكتاب والسنة طافح وظاهر في المعاد الجسماني والذي لا يؤمن به كل الفلاسفة الذين قبله يعني ليس لهم برهان عليه فسعى لإقامة البرهان العقلي عليه وهو يفتخر أن هو أستطاع أن يثبت المعاد الجسماني بالبرهان.
أما البداية بالمكاشفة مثل وحدة الوجود، وحدة الوجود إما شاهدها بنفسه أو أخذها من ما إتفق عليه العرفاء وقام بإثباتها أولا بالوحدة التشكيكية في الجلد الأول ثم الوحدة الشخصية في الجلد الثاني وقال هنا أتميت الفلسفة أكملت الفلسفة.
الحركة الجوهرية أيضا أحد مكاشفات ابن عربي في الفتوحات العالم جوهر العالم يتحرك في ذاته في جوهره فآمن بهذه المكاشفة وقام بإثبات برهان الحركة الجوهرية الذي أقامه في الأمور العامة.
هذا كاشف أنه يؤمن بأن هناك ثلاثة قنوات تؤمّن الواقع ثلاث قنوات علمية غير البرهان عنده النقل والكشف، هذا ما آمن به وإعتقده لذلك فهو يؤمن بهذه العرضيات.
طبعا هو لم يكتفي بهذا بل في النهاية قدّم العرفان على ما سواه، رأى العرفان هو أقوى دليل على اليقين وهذا أمر طبيعي بحسب مبناه لأنه إذا بنى على العلم الحضوري فالبرهان يفيد علم اليقين أما الكشف يفيد عين اليقين، وعين اليقين مقدم على علم اليقين، حتى شيخ الإشراق أيضا يشاركه في الإشراق وفي العرفان هو يقول هكذا مالم يحصل له مكاشفة لن يخلو من الشك حتى لو أقام عشرين برهان وهذا كلام عجيب أن يصدر من فيلسوف لكن قالها شيخ الإشراق السهروردي، فهو يرى أن هذا هو الأكمل، كل هذه الأمور سنستخلصها الآن مما قاله من النصوص في كتبه المختلفة، إذا هذا هو المنهج المعرفي للملا صدرا.
ينبغي أن نثبت هذا، فاليوم لن نتكلم في أي نقض، النقض يبدأ في الجلسة القادمة نحن بالأول نقرر، نحن قررنا منهجنا في العلم ثم قررنا منهج المرحوم الملا صدرا في في العلم، بعد ذلك تصبح الأرضية ممهدة للنقض بناء على ما أصلناه وبناء على ما يؤمن به هو بلا أي تحميل.
بيان موارد التغليط والتلبيس في كلامه والمغالطات التي لجأ إليها هذه سنكشفها بعد ذلك في الجلسات القادمة إن شاء الله قبل الدخول في التعليقة الرئيسية.
يقول في المطابقة بين البرهان والقرآن أو بين البرهان والكتاب والسنة بأنه يمكن أن يحصل على إنهم على حد سواء ما يقوله البرهان يقوله الكتاب والسنة:
قال في (الأسفار في الجلد الرابع ص75) طبعة منشورات مصطفوي القديمة الطبعة الأولى أو الثانية يقول : (حاشى للشريعة الحقة الإلهية البيضاء أن تكون أحكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية -ثم يقول- وتباً لفلسفة -هنا الشاهد- تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة –الخلاف الذي خالف فيه هو هذا وإلا عندما كان يأتي الفلاسفة الذين قبله كانوا سواء ابن سينا ، الفارابي ، الطوسي ، السيد الداماد ، كان ديدنهم هذا كمتدينين ما يقومونه بالبرهان يحاولوا أن يطبقونه على القرآن وعلى الروايات هذا ديدنهم كان بأي سبب ؟ عندهم دافعين:
الدافع الأول دافع ديني أنه هو بيحب الدين متدين فيحب أن يعقلن الدين وبيان أن الدين لا يخالف العقل.
والدافع الثاني سياسي أنه حتى يثبت أنه ليس مخالف للدين أمام الآخرين اللذين هم من خصومه، فسبب ديني وسبب سياسي هذا كان ديدنهم طبيعي كونه أنه يحاول أن يقول القرآن والسنة لا تخالف العقل فإذاً نحن دائماً نعقلنها نؤوّلها ونفسرها بما قام عليه البرهان أما أنه يقول تباً لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة هو مبناه هذا إنه في عرض واحد، أما أنه الأول والأولوية للبرهان وهو بعد ذلك يحكم ويطبق وينتخب النصوص التي تنسجم معه والتي لا تنسجم معه إما يردها أو يؤولها هذا هو منهج الفلاسفة الذين قبله هذا ليس من مختصاته، ولكن أن يقول تبا لفلسفة تخالف الكتاب والسنة، الفلسفة يعني البرهان يعني تباً لبرهان يخالف الكتاب والسنة تبا لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة يعني أي برهان يقام مثلا على إستحالة المعاد الجسماني كما أقامه ابن سينا مثلا هذا تبا، هذا أمر غير مقبول وهذا هو نظره هو فيه وهذا يبين العرضية التبادلية البرهان يعين القرآن والقرآن يعين البرهان ما ينبغي أن يكون بينهم أي خلاف متبادل.
أما الفيلسوف فلا علاقة بالخلاف فهو يقيم البرهان صغرى وكبرى ولا ينظر إلى موافقة النصوص أو مخالفتها هذا بحث آخر بحث تبرعي، يبحث عن النصوص هذا خارج الفلسفة ليس له علاقة بالفلسفة هذه مباحث كلامية ومباحث سياسية لا علاقة لها بالفلسفة من حيث هي فلسفة عقلية محضة.
أيضا يقول في الكتاب والسنة وأن فيهم حقائق الأشياء في شرح أصول الكافي ص170 (اعلموا يا إخواني المؤمنين إن علم الحديث كعلم القرآن مشتمل على ظاهر وباطن ومجمل ومبين وتفسير وتأويل وكما أن القرآن يوجد فيه علوم المكاشفة ما يختص بدركه أهل الله خاصة وهم أهل القرآن وهي ضوابط علم التوحيد فهكذا حال الحديث حيث يوجد قسمان علم الدنيا وعلم الآخرة علم المعاملة وعلم المكاشفة وهو يختص بدركه أهل الله) طبعا سنأتي على التعليق على هذه الأساليب الخطابية والبيانات الشعرية التي هو تميز بها، طبعا لا أريد أن أقول هو إلى بدأ بها إنما السيد الداماد كما قرأنا عليكم الذي بدأ بإدخال هذه الخطابات الشعرية، نحن درسنا ابن سينا وقرأنا الفارابي الرجل يتكلم كأنه مهندس وطبيب لا علاقة بالقضايا هذه، هذه التبجيلات والتقديسات والتهويلات التي تحرك الخيال ينبغي أن ينأى الفيلسوف بنفسه عن إستعمالها، نحن لسنا في حسينية أو مسجد حتى تتكلم بهذا الكلام، أهل الله لا يدركه إلا أهل الله ومن هم أهل الله نحن أهل الله..
هذه المصادرات والطرف الآخر ممكن أن يستعمل معك نفس الأسلوب ونقع في المشاكل التي وقع بها المتدينين مع بعضهم البعض، لا ينبغي اللجوء في مباحث تأصيلية معرفية إلى البيانات الخطابية والشعرية وهي مملوءة في أسلوبها مفعمة وأسلوب في غاية الفصاحة والبلاغة والتأثير.
معنى أهل الله أن القرآن الكريم فيه هذه المعارف الحقيقية الفلسفية موجودة فيه علوم التوحيد وغيرها في القرآن والسنة ولكن يُدرك هذه العلوم وغوامض التوحيد يعني المباحث الفلسفية العميقة الدقيقة هم أهل الله لا أي واحد.
ثم أيضا في الجمع بين الكتاب والسنة والعقل يقول في المبدأ والمعاد ص278:
(فأولى أن يرجع إلى طريقتنا في المعارف والعلوم الحاصلة لنا بالممازجة بين طريقة المتألهين من الحكماء -يعني الفلاسفة- والمليين من العرفاء) يعني المتدينين من المتألهين من الطرفين.
أما بالنسبة للممازجة بين العرفان والبرهان هنا يثني على المكاشفات وأنها على حد واحد كالبراهين، في الشواهد الربوبية ص221: قال (ولا تستحقرن يا حبيبي خطابات المتألهين -يعني العرفاء- فأنها في إفادة اليقين ليست بأقل من حجج أصحاب البراهين) ليست بأقل وسوف يقول أكثر، إن هذه الخطابات –خطابات المتألهين- يعني مكاشفاتهم في إفادة اليقين ليست بأقل من حجج أصحاب البراهين.
في مفاتيح الغيب ص142 قال : (إن كثيرا من المنتسبين إلى العلم يُنكرون العلم الغيبي اللدني الذي يعتمد عليه السُلاك والعرفاء وهو أقوى وأحكم من سائر العلوم) هنا يصرح إن علم العرفاء ومعارف العرفاء أقوى وأحكم لأنه علم حضوري.
آخر شئ ونختم البحث وهنا يبين بشكل واضح جدا في مقدمة الأسفار الجلد الأول ص11 يبين بعد ذلك أن كل علوم الناس والفقهاء والمتكلمين والفلاسفة هذه ظلمات بعضها فوق بعض، العلم الحقيقي فقط عند العرفاء والصوفية
قال: (وليعلم أن معرفة الله تعالى وعلم الميعاد وعلم طريق الآخرة -يعني الفلسفة- ليس المراد بها الإعتقاد الذي تلقاه العامي أو الفقيه وراثة وتلقينا -عن طريق المقبولات والمشهورات مثلا- فإن المشغوف بالتقليد والمجمود على الصورة -كالإخباريين مثلا- لم ينفتح له طريق الحقائق -يرى ظواهر النصوص- كما ينفتح للكرام الإلهيين -لا ينفتح لهم لكن ينفتح لنا نحن- ولا يتمثل له ما ينكشف للعارفين -لأنه ظاهري سطحي فهذا إذاً ليس بطريق- ولا ما هو طريق تحرير الكلام والمجادلة في تحسين المرام كما هو عادة المتكلم -يعني هو ليس أيضا طريق الجدلي للمتكلمين والفلاسفة قال- وليس أيضا البحث البحت كما هو دأب أهل النظر -يعني الفلاسفة- وغاية أصحاب المباحثة والفكر فإن جميعها ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها –انظر كيف يستعمل الأساليب القرآنية وهذه كلها سياسة، قمع الخصم والهيمنة وفرض رأيه على الآخرين- فإن جميعها ظلمات بعضها فوق إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور بل ذلك نوع يقين هو ثمرة نور يقذف في قلب المؤمن بسبب إتصاله بعالم القدس والطهارة.)
إذا فهمنا في النهاية من خلال ما بينا ومن خلال ما نقله المرحوم الملا صدرا نفسه أن هذا هو منهجه المعرفي وأنهم ثلاثة قنوات وليس طريق واحد، طريق النص وطريق العرفان وأنه في النهاية يقدم طريق الكشف بما هو علم حضوري على سائر العلوم الحصولية سواء العقلية أو النقلية.
والحمد لله رب العالمين .
الشيخ / أيمن المصري.